قصص نجاح/مقابلات/خاص أكتر: محمد خالد زعرب، مهاجر فلسطيني، يقيم بمدينة يڤله، ذاع صيته الحسن بين أغلب أبناء الجاليات العربية في شتى أرجاء السويد على مدار سنوات، من خلال دروس القيادة المتميزة التي يقدمها لهم بشكل تطوعي.
حيث أظهر فيها مقدرة عالية على شرح قوانين القيادة وتقنياتها بلغة عربية بسيطة وأسلوب جميل ممتع، تصل عبرها المعلومة بمنتهى الدقة والسلاسة إلى متلقيها، متجاوزة مشكلة كثير من الوافدين الجدد في عدم المقدرة على تحدث اللغة السويدية، ما وفر عليهم آلاف الكرونات، التي كانوا سيضطرون لإنفاقها بمدارس تعليم القيادة التقليدية. فعندما تطالع كم عبارات الشكر والمديح والثناء والامتنان الصادقة، المرسلة إليه يومياً عبر صفحة مجموعته لدروس القيادة النظرية على “فيسبوك”، البالغ عدد متابعيها أكثر من 25300 عضو، أو قناته الخاصة لتعليم القيادة بقسميها النظري والعملي على يوتيوب، التي جاوز مجموع متابعيها أيضاً 25500 مشترك.
وستلاحظ فوراً الأعداد الهائلة من المهاجرين الذين ينجحون في نيل رخص القيادة سنوياً، سواء لاقتناء سيارة أو محاولة الحصول على فرصة عمل، بفضل متابعتهم دروسه، كما سترى نموذجاً مشرفاً للمهاجر الطموح الذي يدحض كافة الصور النمطية السلبية، لا سيما الساعية منها إلى إظهار الوافدين الجدد محض أعباء تثقل كاهل الدولة وتستنزف ميزانيتها، عن طريق اجتهاده ومساهماته الإنسانية الفاعلة في خدمة المجتمع وإبراز الجانب الحقيقي المشرق من ثقافته وإمكاناته الفطرية.
لمعرفة المزيد عن شخصه وسيرته، منصة “Aktarr“ الإلكترونية، قابلت السيد محمد زعرب، كما ورد في نص الحوار التالي:
حدثنا قليلاً عن حياتك قبل الهجرة إلى السويد؟
ولدت بقطاع غزة في الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول سنة 1991. درست الهندسة المعمارية بالكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا – خان يونس وتخرجت منها سنة 2013، ثم عملت في مكتب هندسي براتب قليل جداً لا يكاد يوفر لي أبسط أساسيات الحياة.
أنا أكبر الأبناء الذكور في أسرتي المكونة من عشرة أفراد، ما جعلني مسؤول دائماً على مساعدة والدي برعايتها نتيجة أوضاع البلاد التي لا تنفك تزداد سوءاً عاماً بعد عام. بداية سنة 2015 قررت السفر لأستكمل دراستي في الخارج أملاً بتوفير حياة كريمة لنا.
إلا أنني عندما قررت العودة أخيراً إلى القطاع واجهت ظروفاً استثنائية حالت دون ذلك، فسافرت لمصر ومنها إلى إيطاليا في رحلة هجرة غير شرعية، عبر البحر الأبيض المتوسط، دامت 12 يوماً، لم انس منها يوماً واحداً حتى الآن، تابعت على إثرها طريقي إلى السويد طلباً للجوء بها.
ما أهم المشاكل والعقبات التي واجهتها لدى قدومك إلى السويد؟
وصلت للسويد بمفردي بداية سنة 2015، إلا أن مصلحة الهجرة أقرت، بعد 6 أشهر من الانتظار، إعادتي إلى إيطاليا، التي كانت أرغمتني شرطتها سابقاً على البصم فيها قسراً. لكنني رفضت أن أمتثل إلى قرار الترحيل لمعرفتي المسبقة بسوء أوضاع اللاجئين داخل إيطاليا، كما أن وجهتي الأساسية منذ البداية كان نحو السويد. هكذا انهمكت في قراءة متعمقة لقوانين الهجرة واتفاقية دبلن، عرفت منها أنني مضطر إلى الانتظار 18 شهراً من تاريخ الرفض، لتسقط عني بصمتي الإيطالية ويحق لي تقديم طلب لجوء جديد في السويد، أو أية دولة أخرى تتبع الاتحاد الأوروبي، فاستأجرت غرفة مشتركة مع مهاجر أخر في السويد لأقيم بها مؤقتاً، سوى أنني عجزت طوال عام ونصف عن التقدم خطوة واحدة في طريق الاندماج.
أوائل سنة 2017، قررت محاولة تقديم طلب لجوء جديد في السويد. لا زلت أذكر جيداً كلمات محققة الهجرة يومها حين قالت لي: “اليوم أنت دخلت إلى السويد.. أهلاً وسهلاً بك”. ما يعني أن كل ما قضيته من عمري هنا قبل هذه اللحظة غير محسوب أبداً.
بعد عام من تاريخ طلب اللجوء الجديد، حصلت على إقامة مؤقتة مدتها سنة واحدة فقط منزوعة الحقوق، حيث لم يكن يحق لي في ضوئها، الترسيخ أو العمل. انتظرت حتى انتهت مدتها وقدمت استئنافاً عن طريق محاميتي، نلت على إثره قرار إقامة جديد مدتها ثلاث سنوات والحمد لله، متضمناً حق الدراسة والعمل، فشرعت أدرس اللغة السويدية للمهاجرين بنهم، منهياً مرحلة (إس إف إي) خلال 4 أشهر فقط. وها أنا اليوم أجتهد في دراستي المهنية لأغدو مدرب قيادة معتمد داخل السويد.
كيف بدأت العمل بمجال التدريب على قيادة السيارات؟
نظراً لكثرة ما سمعت عن أهمية رخصة القيادة في السويد، أول وصولي إليها، حرصت بمجرد منحي تصريح الإقامة، أن أتقدم مباشرة للحصول على رخصة القيادة. حيث نجحت في كلا الاختبارين من أول مرة، فنلت بالاختبار النظري 62 علامة، أما الاختبار العملي فتجاوزته دون أخذ أية دروس، لتبلغ قيمة تكاليف رخصة قيادتي كاملة، 4000 كرون سويدي فقط تقريباً.
من هنا صرت أحاول مساعدة بعض الأشخاص على تحقيق إنجاز مماثل، إلا أن هؤلاء الأشخاص ما انفكوا يشجعوني أيضاً بعد نجاحهم أيضاً على الاستمرار في العمل بهذا المجال، كونهم، حسب ما أخبروني، شعروا أن أسلوب شرحي جميل وسهل الفهم ووجدوا لدي مقدرة عالية على إيصال المعلومة. هكذا شرعت فعلياً أساعد كل من يقصدني لتلقي دروس القيادة.
عندما أنشأت مجموعتي على “فيسبوك”، في التاسع من يوليو/تموز سنة 2018، باسم “نجاحك في التيوري” أو Teori körkört B فاجأني إقبال الناس الكبير عليها، ما جعلني أستشعر حجم المسؤولية الملقاة فوق عاتقي، فقررت حينها التعمق أكثر بالدراسة حتى أتمكن من الإجابة على جميع الأسئلة والاستفسارات. هنا لمست محبة الناس ومدى سعادتهم بمساعدتي.
بعد سنة ونصف، أنشأت قناتي الخاصة على “يوتيوب”، باسم Mohammed kh Zourob لتكون مرجعاً يُسَهِل على الجميع الدراسة من موقع واحد دون تشتت. بدأت على إثرها في إنشاء فيديوهات تعليمية لاختباري النظري والعملي وتقديم المساعدة اللازمة إلى الدارسين من وفق أقصى ما تسمح به إمكاناتي.
هل لديك مدرسة تعليم قيادة خاصة تعمل من خلالها رسمياً؟
ليست لدي مدرسة خاصة حتى الآن، لكن هذا طموحي الذي أسعى جاهداً للوصول إليه في القريب العاجل بإذن الله تعالى، كما إنني لا أعمل مدرباً مع أية مدارس أخرى.
ما أهمية رخصة القيادة للمهاجر في السويد؟
تعتبر رخصة القيادة بالسويد من أهم الأساسيات التي يجب على الجميع محاولة امتلاكها قبل غيرها، حيث إنها تسهل حصولك على فرص العمل، بينما قد يؤدي عدم امتلاكها إلى رفض طلبات تقديمك لأبسط الوظائف، إلى جانب أنها توفر الراحة والرفاهية لجميع أفراد الأسرة. فحسب رأيي الشخصي، أرى أن من الضروري جداً على كلا الزوجين وأبنائهما أيضاً امتلاك رخص قيادة، كونها ستمكن جميع الأطراف من تقديم المساعدة داخل الأسرة، كلٌ حسب دوره وإمكاناته.
كيف خطرت في بالك فكرة إعطاء دروس مجانية عبر قناتك على “يوتيوب” وصفحة مجموعتك الخاصة على “فيسبوك”؟ ولماذا؟
ربما كان حصولي على رخصة قيادتي الخاصة بكل سهولة سبباً رئيسياً في دخول مجال التدريب على القيادة، حيث اكتشفت بعدها أني أمتلك قدرات عالية، لاقت دائماً تشجيعاً كبيراً من جميع معارفي. السبب الثاني، أنني شخص يحب مساعدة الأخرين، فقد عانيت كثيراً عند بداية وصولي إلى السويد وأرغب في الحيلولة دون معاناة الوافدين الجدد من أمثالي، أو تكبدهم رسوماً مالية باهظة، لأن بدايات وجودنا في المهجر كانت صعبة علينا جميعاً وتستوجب منا مساندة بعضنا بكل ما نستطيع.
هل واجهتك أية مشاكل في بداية عملك؟
لقد واجهتني عديد المشاكل التي لم أكن أتوقع حدوثها أبداً، حيث بدأ بعض قدامى العاملين في هذا المجال بمحاربتي وتشويه صورتي وسمعتي والتشكيك في صحة المحتوى الذي أقدمه أمام الجميع، كل هذا فقط لأنني أوفر المعلومات مجاناً، حيث شعروا أن عملي قد يضر كثيراً مصالحهم المادية، إلا أن مساعيهم تلك بائت كلها بالفشل الذريع، ذلك أن الناس كانوا يدركون حقيقتي وصدق نواياي جيداً، ما جعلهم يساندونني من تلقاء أنفسهم لتجاوز أكبر العقبات بمنتهى السهولة، فالحقيقة واضحة كالشمس دائماً لكل من أراد البحث عنها.
لماذا تعطي الدروس دون مقابل؟ ألا يؤثر هذا عليك من الناحية المادية؟
أكثر ما كان يشغل فكري منذ قدومي إلى السويد، هو محاولة تخصيص جزء من وقتي لمساعدة الأخرين، فأنا سعيداً جداً بحب الناس ودعائهم الكثير لي إزاء ذلك، كما أني أصبحت محل ثقة الجميع وهذا أهم عندي من كل مال. لكنني للأمانة، بت أجني مؤخراً بعض الأرباح من دورات القيادة النظرية الخاصة، لتغطية الحد الأدنى من احتياجات حياتي اليومية.
ما طبيعة الدروس التي تقدمها إلى متابعيك؟
دروسي مؤلفة من قسمين: (أسئلة الاختبار النظري) و(اختبار القيادة العملي).
من يساعدك في تحضيرها وتحمل تكاليفها المادية؟
جميع ما قمت بتحضيره من مواد حتى الآن، كان ثمرة مجهودي الشخصي فقط، كما تحملت وحدي، خلال أول عامين، كامل التكاليف المادية، إلا أنني فخوراً وسعيد جداً بكل ما أنجرته.
كيف وجدت تفاعل الناس مع ما تقدمه من معلومات سواء عندما مقابلتهم شخصياً أو عبر تعليقاتهم على “يوتيوب” و”فيسبوك”؟
من فضل الله تعالى، حين يقابلني الناس في أي مكان، أجدهم يعرفونني ويستوقفوني ليسلموا علي ويشكروني، ما يجعلني مسروراً جداً بمعرفة مقدار سعادتهم بلقائي ورضاهم عن المحتوى الذي أقدمه. كما أكون سعيداً للغاية لدى اطلاعي على كم التعليقات التي تصلني إيجابية بنسبة 99%، سواء على “فيسبوك” أو “يوتيوب”. إن كل تلك التعبيرات الصادقة عن الامتنان، تعد أكبر ما يدفعني إلى مواصلة العمل في هذا المجال. هي نعمة عظيمة أشكر الله تعالى وأحمده عليها كل يوم.
كم عدد الدروس التي نشرتها عبر قناتك على “يوتيوب” حتى الآن؟
قمت بإنشاء دورة لاختبار القيادة النظري “تيوري”، مكونة من 70 مقطع فيديو تقريباً، بالتسلسل البسيط، حتى يتسنى للجميع الدراسة بسهولة، كما لا زلت أقوم بتسجيل مزيد من الفيديوهات حول كل ما يستجد ضمن هذا الإطار.
أما فيما يخص اختبار القيادة العملي، فحتى وقت نشر هذه المقابلة، لدي ما يقارب 50 مقطع فيديو تعليمي لكل ما يتعلق القيادة، خاصة للمبتدئين والوافدين الجدد، حرصاً مني ألا يكلفهم الحصول على رخصة القيادة الكثير من المال.
ما هي خططك المستقبلية لمساعدة الوافدين الجدد؟
خطتي المستقبلية هي دعم اللاجئين دائماً للحصول على رخص القيادة بأسهل الطرق وأقل التكاليف، كما أنني سأحرص على تقديم العون لهم في أية مجالات أخرى، إذا توفرت الوسائل والظروف المناسبة، على قدر استطاعتي.
هل تشعر أنك كوافد قديم ملزم بمساعدة الوافدين الجدد على الاندماج؟
نتيجة المشاكل والأوضاع الصعبة التي مررت بها في السويد، لم أشعر يوماً أنني بت وافداً قديماً. إلا أنني على الرغم من كل ذلك، طالما كنت أملك حساً عارماً بالمسؤولية تجاه جميع المهاجرين وأحاول مد يد العون إليهم قدر الإمكان. إنه سلوك نبيل ينبغي على جميعنا التفكير والعمل على أساسه، أيضاً يجب علينا حب الخير للأخرين والتفكير في متطلباتهم ومراعاة ظروفهم كما نحب أن نراهم يفعلوا حيالنا، لا أن نستغل قلة معرفة الوافدين الجدد بثقافة البلاد وقوانينها للتربح منهم، كما حدث معي أول وصولي إلى السويد، فالأجدر تقديم الدعم لبعضنا البعض ونبذ النفوس المريضة التي يتمحور هدفها الوحيد دائماً في جني المال عن طريق استغلال الوافدين الجدد.
ما هي النصائح التي تقدمها إلى متابعيك؟
من خلال تجربتي المهنية، فنصائحي للمهاجرين عموماً، أنه حتى إذا كان الوافد الجديد قد قاد السيارة في بلده الأم زمناً طويلاً ويظن نفسه جيداً كفاية، يتوجب عليه التدرب جيداً قبل حجز موعد الاختبار، لأن قواعد المرور السويدية تختلف كلياً عما لدينا ومن الصعب اجتياز أية اختبارات بنجاح دون فهمها.
أما اذا لم يسبق له القيادة أبداً في حياته، فعليه أن يجد مصدراً واحداً فقط لتعليم الدروس النظرية، يستطيع من خلاله دراسة وفهم القواعد، قبل بدء التدرب على الاختبار العملي، لأن فهم القواعد يسهل القيادة كثيراً ويوفر الوقت والجهد والمال، كما ينبغي عليه أن يحسن اختيار المدرسة التي سيتدرب بها على اختبار القيادة العملي.
لمتابعة قناة محمد زعرب على “يوتيوب” اضغط هنا
للاطلاع على مجموعة “نجاحك في التيوري” عبر “فيسبوك” اضغط هنا
حاوره: الصحفي عمر سويدان